فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} فيه وجهان:
أحدهما: بالصدق.
والثاني: بالعدل.
{وَأقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: معناه توجهوا حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة، قاله مجاهد.
والثاني: معناه اجعلوا سجودكم خالصًا لله تعالى دون ما سواه من الأوثان والأصنام، قاله الربيع بن أنس.
والثالث: معناه اقصدوا المسجد في وقت كل صلاة، أمرًا بالجماعة لها، ندبًا عند الأكثرين، وحتمًا عن الأقلين.
والرابع: أن أي موضع أدركت فيه وقت الصلاة فصل فيه فإنه مسجد ولا تؤخرها إلى حضور المسجد.
{وَادعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: يعني أقروا له بالوحدانية وإخلاص الطاعة.
والثاني: ارغبوا إليه في الدعاء بعد إخلاصكم له الدين.
{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} فيه أربعة أقاويل:
أحدها: كما بدأكم شقيًا وسعيدًا، كذلك تبعثون يوم القيامة، قاله ابن عباس.
الثاني: كما بدأكم فآمن بعضكم وكفر بعضكم، كذلك تبعثون يوم القيامة. روى أبو سفيان عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تُبْعَثُ كُلُّ نَفْسٍ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ».
والثالث: كما خلقكم ولم تكونوا شيئًا، كذلك تعودون بعد الفناء أحياء، قاله الحسن، وابن زيد.
والرابع: كما بدأكم لا تملكون شيئًا، كذلك تبعثون يوم القيامة.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرلًا وَأَوَّلُ مَنْ يُكَسَى إِبْرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلاَمُ» ثم قرأ {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلينَ} [الأنبياء: 104]. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ}
تضمن قوله: {قل أمر ربي بالقسط} أقسطوا ولذلك عطف عليه قوله: {وأقيموا} حملًا على المعنى، والقسط العدل والحقن واختلف المتأولون في قوله: {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد} فقيل أراد إلى الكعبة قاله مجاهد والسدي والمقصد على هذا شرع القبلة والأمر بالتزامها، وقيل أراد الأمر بإحضار النية لله في كل صلاة والقصد نحوه كما تقول وجهت وجهي لله قاله الربيع.
قال القاضي أبو محمد: فلا يؤخذ الوجه على أنه الجارحة بل هو المقصد والمنزع، وقيل: المراد بهذا اللفظ إباحة الصلاة في كل موضع من الأرض، أي حيث ما كنتم فهو مسجد لكم تلزمكم عند الصلاة إقامة وجهوكم فيه الله عز وجل، قال قوم: سببها أن قومًا كانوا لا يصلون إلا في مساجدهم في قبلتهم، فإذا حضر الصلاة في غير ذلك من المساجد لم يصلّوا فيها، وقوله: {مخلصين} حال من الضمير في {وادعوه}، و{الدين} مفعول ب {مخلصين}.
قال الحسن بن أبي الحسن وقتادة وابن عباس ومجاهد: المراد بقوله: {كما بدأكم تعودون} الإعلام بالبعث أي كما أوجدكم واخترعكم كذلك يعيدكم بعد الموت فالوقف على هذا التأويل {تعودون}، و{فريقًا} نصب ب {هدى}، والثاني منصوب بفعل تقديره: وعذب فريقًا أو أضل «فريقًا حق عليهم»، وقال ابن عباس أيضًا وأبو العالية ومحمد بن كعب ومجاهد أيضًا وسعيد بن جبير والسدي وجابر بن عبد الله وروي معناه عن النبي صلى الله عليه وسلم: المراد بقوله: {كما بدأكم تعودون} الإعلام بأن أهل الشقاء والكفر في الدنيا الذين كتب عليهم هم أهل الشقاء في الآخرة وأهل السعادة والإيمان الذين كتب لهم في الدنيا هم أهلها في الآخرة لا يتبدل من الأمور التي أحكمها ودبرها وأنفذها شيء، قالوقف في هذا التأويل في قوله: {تعودون} غير حسن، و{فريقًا} على هذا التأويل نصب على الحال والثاني عطف على الأول، وفي قراءة أبي بن كعب {تعودون فريقين فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد} فيه أربعة أقوال:
أحدها: إذا حضرت الصلاة وأنتم عند مسجد، فصلُّوا فيه، ولا يقولنَّ أحدكم: أُصلي في مسجدي، قاله ابن عباس، والضحاك، واختاره ابن قتيبة.
والثاني: توجهوا حيث كنتم في الصلاة إلى الكعبة، قاله مجاهد، والسدي، وابن زيد.
والثالث: اجعلوا سجودكم خالصًا لله تعالى دون غيره، قاله الربيع بن أنس.
والرابع: اقصدوا المسجد في وقت كل صلاة، أمرًا بالجماعة لها، ذكره الماوردي.
وفي قوله: {وادعوه} قولان:
أحدهما: أنه العبادة.
والثاني: الدعاء.
وفي قوله: {مخلصين له الدين} قولان:
أحدهما: مُفْردين له العبادة.
والثاني: موحِّدين غير مشركين.
وفي قوله: {كما بدأكم تعودون} ثلاثة أقوال:
أحدها: كما بدأكم سعداء وأشقياء كذلك تبعثون، روى هذا المعنى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، والقرظي، والسدي، ومقاتل، والفراء.
والثاني: كما خُلقتم بقدرته، كذلك يعيدكم، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وابن زيد، والزجاج، وقال: هذا الكلام متصل بقوله: {فيها تحيون وفيها تموتون} [الأعراف: 25].
والثالث: كما بدأكم لا تملكون شيئا، كذلك تعودون، ذكره الماوردي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بالقسط}
قال ابن عباس: لا إله إلا الله.
وقيل: القسط العدل؛ أي أمر بالعدل فأطيعوه.
ففي الكلام حذف.
{وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} أي توجهوا إليه في كل صلاة إلى القبلة.
{عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} أي في أي مسجد كنتم.
{وادعوه مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} أي وحّدوه ولا تشركوا به.
{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} نظيره {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فرادى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 94] وقد تقدم.
والكاف في موضع نصب؛ أي تعودون كما بدأكم؛ أي كما خلقكم أوّل مرة يعيدكم.
وقال الزجاج: هو متعلق بما قبله.
أي ومنها تخرجون كما بدأكم تعودون. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {قل أمر ربي بالقسط} أي: قل يا محمد لهؤلاء الذين يقولون على الله ما لا يعلمون أمر ربي بالقسط يعني بالعدل، وهذا قول مجاهد والسدي.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بلا إله إلا الله فالأمر بالقسط في هذه الآية يشتمل على معرفة الله تعالى بذاته وصفاته وأفعاله وأنه واحد لا شريك له {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد} فإن قلت قل أمر ربي بالقسط خبر وقوله وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد أمر وعطف الأمر على الخبر لا يجوز فما معناه.
قلت: فيه إضمار وحذف تقديره قل أمر ربي بالقسط وقال: {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد} فحذف فقال لدلالة الكلام عليه ومعنى الآية قول مجاهد والسدي: وجهوا وجوهكم حيثما كنتم في الصلاة إلى الكعبة، وقال الضحاك: معناه إذا حضرت الصلاة وأنتم عند المسجد فصلوا فيه ولا يقولن أحدكم أصلي في مسجدي أو في مسجد قومي.
وقيل معناه اجعلوا سجودكم لله خالصًا {وادعوه مخلصين له الدين} أي واعبدوه مخلصين العبادة والطاعة والدعاء لله عز وجل لا لغيره {كما بدأكم تعودون} قال ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله عز وجل بدأ خلق بني آدم مؤمنًا وكافرًا كما قال تعالى: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنًا وكافرًا وحجة هذا القول قوله في سياق الآية {فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة} فإنه كالتفسير له ويدل على صحة ذلك ما روي عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يُبعث كل عبد على ما مات عليه» أخرجه مسلم زاد البغوي في روايته: المؤمن على إيمانه والكافر على كفره.
وقال محمد بن كعب: من ابتدأ الله خلقه على الشقاوة صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه وإن عمل بأعمال أهل السعادة كما أن إبليس كان يعمل بعمل أهل السعادة ثم صار إلى الشقاوة.
ومن ابتدأ خلقه على السعادة صار إليها وإن عمل بأعمال أهل الشقاوة كما أن السحرة كان يعملون بعمل أهل الشقاوة ثم صاروا إلى السعادة ويصح هذا القول ما روي عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ثم يختم له عمله بعمل أهل النار وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة» أخرجه مسلم وقال الحسن ومجاهد في معنى الآية كما بدأكم فخلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئًا فأحياكم ثم يميتكم كذلك تعودون أحياء يوم القيامة ويشهد لمصلحة هذا القول ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال «أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله عز وجل حفاة عراة غرلًا كما بدأنا أول خلق نعيده وعدًا علينا إنا كنا فاعلين» أخرجه البخاري ومسلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قل أمر ربي بِالقسط}.
قال ابن عباس القسط هنا لا إله إلا الله لأن أسباب الخير كلها تنشأ عنها، وقال عطاء والسدّي: العدل وما يظهر في القول كونه حسنًا صوابًا، وقيل الصدق والحق.